تقرير
الشرقاط .. كارثة إنسانية تحيط بالمدينة وأهلها
يشهد قضاء الشرقاط شمالي محافظة صلاح الدين، الذي يقع على مسافة 60 جنوب مدينة الموصل، منذ عامين تقريبا؛ استمرار المعارك التي لا تزال مستعرة في أطرافه الواقعة تحت سيطرة تنظيم (الدولة).
فقد شهدت الايام الماضية تكثيف العمليات العسكرية من قبل القوات الحكومية التي تستهدف محيط مدينة الشرقاط تمهيدا للسيطرة عليها، حيث تقع مدينة الشرقاط في موقع استراتيجي قرب الموصل مما يجعلها هدفا أوليا للقوات الحكومية المتقدمة باتجاه الموصل.
ومع اشتداد المعارك في الشرقاط، أفادت منظمات دولية بأن أكثر من 6 آلاف عائلة نزحت من المدينة بين 15 و30 تموز المنصرم، وقطعت مسافات طويلة مشياً على الأقدام في ظروف قاسية مع موجة ارتفاع درجات الحرارة في هذا الوقت من العام، وتقدر تلك المنظمات وجود نحو 60 ألف عائلة داخل المدينة.
وقد حذرت المنظمات الدولية من صعوبة الوضع الإنساني للنازحين حيث يعيش عشرات الآلاف من النازحين دون مأوى ولا يوجد لديهم ما يسدون به الجوع والعطش، مؤكدة أن العائلات النازحة تتعرض إلى كارثة إنسانية حقيقية؛ جراء التردي غير المسبوق في الوضع الخدمي والإنساني لمن انتهى بهم الحال إلى العيش في العراء.
وقد حذرت الأمم المتحدة من كارثة إنسانية تلوح في أفق مدينة الشرقاط نفسها؛ إذ يواجه السكان المحليون صعوبات كبيرة في الحصول على الغذاء والماء والخدمات الأساسية؛ نتيجة النقص الحاد في مخزونات تلك المواد جراء الحصار المفروض على المدينة منذ ما يقرب على الشهرين من قبل القوات الحكومية والمليشيات المساندة لها.
وقال قائد للشرطة في محافظة صلاح الدين إن الآلاف من المدنيين في مناطق قريبة من المدينة أصبحوا محاصرين بين قوات (داعش) و(قوات الأمن الحكومية)، إلى جانب من نزحوا من الشرقاط .
وقالت مصادر محلية: إنه تم نقل 1500 عائلة نازحة من قضائي الشرقاط والقيارة إلى معسكر تديره الحكومة بالقرب من منطقة (الحجاج) الواقعة على مسافة 80 كيلومترا تقريبا جنوبي الشرقاط، حيث أقيمت لهم خيام في الصحراء دون مواد كافية تغيثهم، ويتم الفصل الرجال عن النساء والأطفال لإجراء فحص أمني طويل.
الشرقاط تحت الحصار الخانق
يعاني القضاء من حصار خانق من جميع الجهات من قبل الجيش الحكومي والميليشيات الطائفية المساندة له منذ أشهر، وبالمقابل لا يسمح تنظيم الدولة بخروج الأهالي من القضاء، وقد سجلت حالات وفاة كثيرة بين المواطنين وخاصة الأطفال، بسبب نقص الغذاء والماء والدواء وضروريات العيش الأساسية الأخرى.
وهنالك دعوات أطلقتها منظمات حقوق الإنسان و وكالات غوث دولية طالبت فيها بتوفير الخدمات الضرورية للنازحين من اهالي القضاء الذين يعانون اوضاعا مأساوية للغاية نتيجة عدم توفر الخيم والخدمات الضرورية.
وقالوا: إن أهالي قضاء الشرقاط الموجودون داخل القضاء أو النازحون منهم يعانون على حد سواء من عدم توفر الغذاء و الماء والكهرباء، مشيرين الى وجود آلاف المواطنين القادمين من مناطق بيجي وتكريت ويثرب.
هذا وقد شهدت أسعار المواد الغذائية والمحروقات ارتفاعا كبيرا بسبب النقص الحاد في مخزونات تلك المواد جراء استمرار الحصار المفروض على المدينة؛ حيث بلغ سعر كيس الطحين قرابة 100 دولار وكيلو الرز 10 دولارات وعلبة الزيت سعة 5 لتر بسعر 50 دولارًا، بينما وصل سعر علبة حليب الأطفال إلى 20 دولارا أو يزيد.
وأشار ناشطون في حقوق الإنسان إلى الحاجة الماسة إلى تكثيف الجهود الاغاثية والطبية وتوفير المستلزمات الضرورية للحياة لأهالي الشرقاط المحاصرين والنازحين؛ بسبب تردي الأوضاع الإنسانية إلى مستويات خطيرة داخل القضاء وفي مناطق النزوح على حد سواء.
ومع كل هذا، لا نجد أي جهة حكومية تقوم بخطوات جادة لمساعدة الناس العالقين وسط هذا الحصار من قبل الأطراف العسكرية من جهة، والتنظيم الذي يحكم سيطرته على هذا القضاء.
استمرار موجات النزوح ومآسيها
ما تزال موجات النزوح المستمرة في العراق تشكل واحدة من أكثر التحديات الإنسانية في العالم في ظل ازدياد الصور المأسوية التي ترد من عدة مخيمات حيث يعاني النازحون أوضاعا صعبة جدا، فالأطفال بلا غذاء ولا دواء ولا ماء، أما الكبار فيحاولون البحث عما يمكن أطفالهم من الاستمرار بالحياة، ولم تكن تلك المشكلة الوحيدة التي يواجهها النازحون، فقد سجلت عدة وفيات أغلبها من الاطفال بسبب موجة الحر الشديد التي يتعرض لها العراق، فضلا عن عدم وجود مأوى او ملجأ يحمي هذه العائلات من قساوة الطقس والأحوال البيئية التي لم تكن أقسى من القرارات التي اتخذتها بعض المحافظات التي استقبلتهم، إذ قررت بعض المحافظات إعادة النازحين قسرا إلى مناطقهم.
ووفقا لتقديرات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، فقد تمكن أكثر من 33 ألف شخص من النزوح من الشرقاط باتجاه الجنوب خلال الشهرين الأخيرين، لكن معاناتهم تفاقمت بشكل سريع جدا لعدم وجود مخيمات تؤويهم في المناطق الصحراوية التي نزحوا إليها، لاسيما مع بلوغ درجات الحرارة معدلات اكثر من 50 درجة مئوية .
من جانبه، قال رئيس مجلس محافظة صلاح الدين إن موجة النزوح تعد الأكبر منذ عام 2014، وإن عدد النازحين وصل إلى 13 ألف عائلة أي ما يقارب تسعين ألف شخص، وتوقع نزوح أكثر من 15 ألف عائلة أخرى مع بدء عملية استعادة السيطرة على منطقة الشرقاط.
ويتحدث حسن جبارة، من أهالي الشرقاط، عن أسباب نزوحه هو وعائلته من المدينة قائلا: نحن نخشى من القصف الجوي الدولي أو الحكومي وكذلك من الهجمات الصاروخية والمدفعية، والمشكلة تكمن في عشوائية القصف واستهداف البيوت والمباني الخاصة والعامة وهذا الشيء قد يسبب موت كل الناس العالقين داخل المدينة، فقد كنا نرى كل يوم كيف يتم قصف المنازل والمحال التجارية وحتى المركبات وكيف يموت المدنيون الأبرياء، وما زاد الطين بلة هو الحصار الخانق الذي فرض على المدينة وما كان من نقص حاد بالمواد الغذائية الأساسية وحليب الأطفال والأدوية والمستلزمات الطبية بالتسبب، فضلا عن انقطاع التيار الكهربائي وشح المياه الصالحة للشرب؛ كل هذه التحديات والمخاطر اضطرتنا للنزوح فقررنا المغامرة بأرواحنا لعلنا ننال بفرصة نجاة .
من جهته، قال سلمان القيسي، أحد النازحين من الشرقاط ويوجد حالياً في بيجي، إن "المسافة التي يقطعها النازحون من الشرقاط إلى بيجي عبر طريق تلول الباج (شمال صلاح الدين)، تصل الى 40 كيلومتراً، وهذا الطريق غير آمن بسبب العبوات الناسفة، والعائلات تسلك طرقا متعددة للهروب، ومن لا يعرف الطرق الملغومة سيكون مصيره مأساوياً.
ويسير النازجون عادة على الأقدام أياما في الصحراء تحت شمس لافحة في صيف قائظ، ثم يعبرون نهر دجلة إلى ضفته الشرقية، وهناك يستقلون شاحنات يتكدسون فيها، ومنهم أطفال وعجائز كدن يلفظن أنفاسهن الأخيرة.
اما بالنسبة لاعداد النازحين فهي ليست ثابتة وفي تزايد مستمر بسبب توسع نطاق الصراعات، وبحسب آخر بيان اصدرته وزارة الهجرة والمهجرين يوم الجمعة الماضي؛ ارتفعت أعداد الأسر النازحة من الشرقاط ومناطق جنوب الموصل إلى أكثر من 11 الاف أسرة وأضاف البيان، إن (مجموع العوائل النازحة من قضاء الشرقاط وناحية القيارة منذ اليوم الاول ولغاية اليوم بلغت 11010 أسرة نازحة) .
ورجحت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الانسانية بالعراق ليز غراند أن تؤدي تلك العمليات العسكرية إلى تشريد 2.3 مليون شخص.
وقالت غراند إن الموصل قد تشهد (أكبر أزمة إنسانية في العالم) خلال العام الجاري، وذلك مع انطلاق العمليات العسكرية لاستعادتها من تنظيم الدولة .
إن المراقب للشأن العراقي والمتابع للملف الإنساني فيه سيصاب بالصدمة من الأرقام الكبيرة للنازحين والمهجرين من النساء والأطفال والعجزة وما يقابلها من فشل الحكومة العراقية، وعجز وتقصير واضحين من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في معالجة هذا الملف ومسايرة المستجدات، والتدهور السريع للأحداث والمعارك العسكرية وما يرافقها من سيل جارف من النازحين والهاربين من جحيم المعارك والقتال في داخل المدن والقرى حيث تمارس القوات الحكومية والميليشيات، اقسى الانتهاكات بحق النازحين من ضرب وتعذيب وانتقام طائفي ووصلت في بعض الاحيان الى قصف مخيمات النازحين.
قسم حقوق الإنسان
7/8/2016




