الحلقة الرابعة: الانتخابات العراقية ومشروعيتها
د. محمد بشار الفيضي الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين:
( العناصر المخلصة للوطن ستبقى بعيدة عن العملية السياسية والمشكلة ستبقى قائمة )
( المفوضية العليا للانتخابات في العراق غير صالحة لقيادة عملية من هذا النوع وفي ظل ظروف معقدة كالتي يمر بها العراق )
( ثمة منظمات تمولها واشنطن تعمل بنشاط في العراق من وراء الستار مهمتها صياغة العمليات السياسية ) العملية السياسية في العراق والانتخابات التي جرت في أجواء مشحونة، ومستقبل العراق تحت ظل الاحتلال كل هذه الأمور كان محور حوارنا مع الشيخ الدكتور محمد بشار الفيضي الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين في العراق للوقوف على موقف الهيئة من العملية السياسية التي تجري حاليا ومدى تأثير هذه المواقف على الرأي العام لا سيما وأن الانتخابات جرت بصورة سلسة على الرغم من الخروقات التي تخللتها. وسألناه أولاً:
س / د. الفيضي لماذا كان موقفكم من الانتخابات حيادياً؟
ج / ـ موقفنا من الانتخابات كعملية سياسية تجرى في ظل الاحتلال ليس حيادياً، فلنا موقف معلن بهذا الصدد وهو أننا نرى أن أية عملية من هذا النوع ستفتقر إلى الشفافية وستتعرض إلى الطعن في المصداقية؛ لأنها أولاً: لن تخرج عن الأجندة التي يفرضها المحتل، ولأنها ثانياً: ستعدم الحد الأدنى من المعايير الدولية التي تكسبها الثقة، وبالتالي فلن يكون بمقدور هذه العملية وأمثالها أن تحظى بالشرعية اللازمة لحل المشكلة العراقية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الدخول في العملية السياسية سيمنح المحتل قوة وشعوراً بالنجاح، وهذا ما كان ينبغي اجتنابه؛ لأننا في حالة حرب، ومن المفترض بكل العراقيين أن يعملوا معاً على مدافعة المحتل، لا على تمكينه. وبالفعل أوصلت المشاركة الرسالة الخطأ إلى الأمريكيين، فصرح بوش فور الانتخابات العراقية بأن أمامه مهمة طويلة في العراق، وأن قواته لن تنسحب من أرض الميدان، وصرح قائد قواته كيسي بأن نجاح الانتخابات لا يعني خروج القوات الأمريكية من العراق.
س / لكن بيانكم تضمن عدم مشاركتكم في الانتخابات، واحترام خيارات الشعب العراقي إزاءها مشاركة أو مقاطعة، ومن ثم عدم دعمكم لأية قائمة انتخابية.
ج / ـ نعم. كان هذا موقفنا من المشاركة نفسها بغض النظر عن العملية السياسية برمتها، ولهذا الموقف أسباب، منها: أن الشعب العراقي سئم الأوضاع المتردية في كل نواحي حياته، وحاله اليوم يشبه حال الغريق الذي يتشبث بأي شيء طمعاً في النجاة، وهو يعلم أن هذه الانتخابات هي الحلقة الأخيرة من المسلسل السياسي للاحتلال، فيريد إنجازها في كل الأحوال على أمل الخلاص من الكابوس الذي يعيشه.
ومنها: أن الذين قاطعوا الانتخابات في المرة السابقة راغبون هذه المرة بالمشاركة ليس ثقة بالعملية السياسية القائمة، فهم لا يثقون بها على ما أعتقد، لكنهم راغبون في ذلك من أجل رفع الظلم الذي طالهم في الحكومة التي تغيبوا عنها، فقد اتبعت هذه الحكومة سياسة طائفية مريعة وصلت حد الاغتيال والاعتقال والتعذيب على الهوية، ولم يعد ذلك سراً، فقد دخلت هذه القضايا ملفات الأمم المتحدة، وأعلنت قوات الاحتلال نفسها عن اكتشاف سجون للتعذيب، مثل الجادرية والنسور وغيرهما.
وبالتالي فإن الذين قاطعوا يرون في مشاركتهم إعادة الكفة إلى التوازن ولو بالحد الأدنى، ونحن إزاء هذه التوجهات لفئات كبيرة من شعبنا لا نملك فرض مواقفنا، لذا اكتفينا بالنصح، وقلنا إن من الخطأ تعليق الأمل على الانتخابات القادمة؛ لأنها ستبقى في قبضة الاحتلال، ولن يفرط الأمريكيون بالوجوه نفسها في مجلس الحكم والحكومة المؤقتة والانتخابات السابقة، وهذا يعني أن العناصر المخلصة للوطن ستبقى بعيدة، وأن المشكلة ستبقى قائمة، وحتى لا يكون النصح مجرد كلام قمنا بتطبيقه عملياً، وأعلنا أننا لن نشارك في العملية السياسية، ولن ندعم أية قائمة انتخابية، وهذا ما عبرتَ عنه بالحياد.
س / لكن يا دكتور إذا لم تكن الانتخابات حلاً في هذه المرحلة ونحن نعلم مدى الوضع المزري الذي يعيشه البلد، فما الحل؟
ج / ـ نحن مؤمنون بأن الحل في الانتخابات لكن حين تكون نزيهة وشفافة تتوافر فيها المعايير الدولية ولو بالحد الأدنى. ومع هيمنة الاحتلال على العملية السياسية، وهيمنة الأحزاب والمليشيات السائرة في ركبه، وغياب الرقابة الدولية الحيادية فلن تكون ثمة عملية نزيهة. وهذا يعني أن النتائج لن تحظى بثقة الشعب العراقي، ويعني بالتالي إبقاء الحال على ما هو عليه من الفوضى والانفلات، وسترى تفاقم ردود الفعل السلبية بعد إعلان النتائج.
س / هل يمكننا معرفة مآخذكم على الانتخابات التي جرت؟
ج / ـ العملية السياسية ابتداء جرت في ظل الاحتلال ووفق ما رسمه لها من مخطط يعتمد التقسيم الطائفي والعرقي. فالمتابع للعملية السياسية التي جرت يرى أن الاصطفافات الطائفية والعرقية تحكمها، وهذا هدف استراتيجي حققته قوات الاحتلال من خلال هذه العملية، وشعبنا لن يحس بخطورة ذلك إلا بعد أن يجد نفسه على طريق لبنان المقسم في كثرة الأزمات وانعدام الاستقرار، ونسأل الله ألا نصل إلى هذا الوضع، فحال لبنان الشقيق ـ كما تتابع هذه الأيام ـ لا يسر الصديق، فلا يكاد يخرج من أزمة حتى يقع في أخرى، ووراء ذلك أسباب في مقدمتها الاصطفافات الطائفية والعرقية في هذا البلد، والمشروع الأمريكي في العراق هو إيصاله إلى هذه المرحلة ليبقى ضعيفاً، ويسهل على هذه الدولة وغيرها التدخل في شؤونه كلما دعت مصلحتهم إلى ذلك.
عدا ما ذكرنا ثمة طامات من المآخذ التي تؤكد دقة نظرة هيئة علماء المسلمين في غياب النزاهة والشفافية عن أية عملية سياسية في ظل الاحتلال، وهي من الكثرة بمكان لا يتيح لنا ذكرها، لكن دعني أنبه إلى ما أراه يستحق التنبيه، ولنبدأ بالمفوضية العليا للانتخابات التي عينها السفير الأمريكي بريمر، وهو أبغض شخص عند العراقيين؛ لأنهم يرونه السبب وراء كل ما حصل في العراق من فوضى، فهو الذي حل الجيش وهدم كل مؤسسات الدولة، ولذا فهم لا يثقون به إطلاقاً، وبطبيعة الحال فإن هذا الشعور يمتد إلى أي عمل نجم عنه من نظم وقوانين وإجراءات، ومن ذلك المفوضية، والملاحظ أن هذه المفوضية هي نفسها في الانتخابات الأولى، وفي الاستفتاء، وفي هذه الانتخابات!!، وكأنه لا يوجد غيرها، وهذا أمر لا يوجد له نظير في العالم!!، ومع ذلك فهذه المفوضية فيها مشاكل تجعلها غير صالحة لقيادة عملية من هذا النوع وفي ظل ظروف معقدة كالتي يمر بها العراق.
س / ما أبرز هذه المشاكل في نظركم؟
ج / ـ من هذه المشاكل: أنها تفتقر إلى التمثيل العادل لمكونات الشعب العراقي، فـ 95% من أعضائها من مكون واحد، هذا التمثيل مهم في عمل كهذا، وفي ظروف معقدة كالتي نمر بها لتحصل على ثقة الجميع، وقد فتح ذلك باب الشك على مصراعيه، ولا تستطيع أن تلوم على ذلك. وعلى سبيل المثال نقل الإعلام عن الست الحسيني، وهي عضو معروف في المفوضية ما مفاده أن ولاءها لقائمة الائتلاف، فأين الاستقلال في العمل؟! وقد صارح بذلك أحد مذيعي قناة الشرقية لفؤاد أيار الذي كالعادة اكتفى بوعد التحقيق في الأمر.
وقد انعكس ذلك سلباً على العملية الانتخابية، فقد شهدت المناطق التي غابت عن الانتخابات السابقة تقصيراً كبيراً في أداء هذه المفوضية تجلى في قلة المراكز بشكل ملفت للنظر وحرم عشرات الآلاف من الإدلاء بأصواتهم، وشحة المستلزمات الانتخابية أيضاً ابتداء من شحة الصناديق فالسجلات الانتخابية فبطاقات الانتخاب، ولأن ذلك لم يحدث في مناطق أخرى أكثر بعداً فسّر الكثيرون أن هذا التقصير مقصود من المفوضية ولحسابات طائفية.
ومنها أن ثمة طعوناً في هذه المفوضية، ولا يكاد يوجد ـ اليوم ـ كيان سياسي بارز إلا وطعن في أدائها وعبر وسائل الإعلام.
ومنها مشاكل فساد مالي، وهي ـ على ما يبدو - موثقة، وقد ذكر ذلك في الحديث الإذاعي نفسه لمراسل الشرقية مع السيد فؤاد أيار الذي وعد أيضاً بالتحقيق في الأمر فضلاً عن أن هذه المفوضية لا تملك من الأمر شيئاً سوى تمرير المشروع السياسي بأي ثمن. يقول القاضي العراقي عبد الملك ياسين: المرجعية الوحيدة في الانتخابات هي المفوضية العليا المستقلة التي لا تستطيع - طبقاً لقانونها - سوى إصدار توصيات غير ملزمة فضلاً عن عدم وجود محاكم مختصة يمكن الرجوع إليها في حال حدوث انتهاكات أثناء الحملات الانتخابية.
والسؤال بعد كل ما مر ذكره، لماذا الإصرار على هذه المفوضية بأشخاصها وأدائها؟! ألا ترى أن في الأمر ما يدعو إلى التساؤل؟!!
وإذا تركنا المفوضية وجئنا إلى مآخذ أخرى فسنجد الكثير مثل غياب الرقابة المحايدة والنزيهة على العملية السياسية. وفي ظل ظروف معقدة - كالتي يمر بها العراق حيث تتبادل فيها الأطراف السياسية التهم مع الحكومة - كان ينبغي الاستعانة بمراقبين دوليين لا يتسرب إليهم الشك، وفي تقديري فإن هذا الشك في محله فقد بلغ التزوير في الانتخابات حداً يزكم الأنوف حتى أن قيام كثير من الناخبين بتكرار عملية الانتخاب صار أشبه بالظاهرة داخل العراق وخارجه، ففي داخل العراق لا يمكن أن ننسى ما بثته قناة الجزيرة من حديث ممثلة الجبهة التركمانية التي أكدت فيه على وجود هذه الظاهرة في كركوك على نحو ملفت للنظر، وأنها أبلغت المسؤولين عن ذلك، وأنهم لم يلتفتوا إليها. وهذا مجرد مثل جرى نظيره في محافظات عديدة.
وفي خارج العراق يكفينا ما نشرته صحيفةtrouw الهولندية واسعة الانتشار يوم 15/12/2005 تحت افتتاحية نشرت فيها أربع صور مقرونة بالنص (الحبر المغشوش يزال هكذا)!! وجاء في المقال: أن الحبر الذي استخدم ويفترض بقاؤه خمسة أيام تتم إزالته بسرعة بواسطة مادة كحولية منظمة iect.
المسؤولة عن الانتخابات أبدت دهشتها مما حصل وبدأت في الحال تحقيقاً، وهذا الأمر تكرر في بريطانيا ومناطق أخرى من العالم. وهذا غيض من فيض. وما رصد مما لم يذكر وما خفي كان أعظم. وكل الذي نقوله تعليقاً على ما مضى: كان الله في عونك يا عراق.
س / ألا ترى معي أن وجود خروقات أمر طبيعي في أية انتخابات تجرى في العالم؟
ج / ـ نعم. لكن هناك حداً معقولاً في الكم والنوع لمثل هذه الخروقات. ولحساسية الوضع في العراق كان ينبغي أن يكون ذلك أقل مما يحدث في الدول عادة، لكن المؤسف أن الذي حدث هو العكس تماماً. ويكفينا في هذا الصدد ما صرح به عز الدين المحمدي مسؤول المفوضية في مؤتمر صحفي له ببغداد من أنهم تلقوا 187 شكوى تتعلق بخروقات بينها حملات دعائية غير قانونية وتدخل مصحوب بالعنف وحملات دعائية أثناء مرحلة الصمت الانتخابي وانتهاك لسلوك المراقبين في مراكز الاقتراع.
إن كل واحدة من هذه الخروقات كافية لتضع عشرات من علامات الاستفهام. وصرح عضو آخر في المفوضية بأنهم ما يزالون يتلقون الشكاوى، وقد بلغت الشكاوى حتى الساعة فيما أعلم أكثر من 350 شكوى.
وقد دفع ذلك الوضع أحد المشاركين الأساسيين في العملية السياسية إلى توجيه رسالة عبر الإعلام إلى الرئيس بوش يقول له فيها: كل من يقول لك إن الانتخابات جرت بطريقة ديمقراطية فهو لا ينقل لك الحقيقة!!، وينبهه إلى أنه قد يضطر إلى الاعتذار مرة أخرى عن أدائه السياسي في العراق بعد اعتذاره السابق عن أدائه العسكري!!.
س / ما دمنا قد تطرقنا إلى هذا الموضوع أريد أن أسألك: هل تعتقد أن الأمريكيين - ومنهم الرئيس بوش - مطلعون على حقيقة ما يجري من خروقات؟
ج / ـ أخي العزيز. إن الأمريكيين لا يعنيهم هذا الأمر؛ لأنهم ابتداء ليسوا مهتمين بمصلحة العراقيين، فلهم أجندتهم ومخططاتهم، وكل ما يهمهم هو سير الواقع وفق ما يضعونه من مخططات. وبالتالي فالمهم عندهم في هذه المرحلة هو إنجاز خطوة الانتخابات بما يوحي إلى العالم بأن الجميع قد اشتركوا فيها.
ولديهم مثل معروف مفاده: ليس المهم الحقيقة إنما المهم كيف تقنع الناس أن هذه هي الحقيقة!!. أما تفاصيل العملية السياسية وحل ما يعترضها من معضلات فلديهم من يجيد التعامل معها، وهم أصحاب خبرة في غزو الدول ورسم وضعها السياسي من جديد.
س / من تعني بقولك: لديهم من يجيد التعامل مع التفاصيل في العملية الانتخابية.. هل هم أمريكيون أم من العراقيين مثلاً؟!
ج / ـ ثمة منظمات تمولها واشنطن تعمل بنشاط في العراق من وراء الستار مهمتها صياغة العمليات السياسية ابتداء من تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني حتى فرز الأصوات والإعلان عن النتائج، وثمة جماعتان على هذه الشاكلة، هما: المعهد الديمقراطي للشؤون الدولية ndi، والمعهد الجمهوري الدولي iri، وهما جزء من كونسورتيوم من المنظمات غير الحكومية منحته الولايات المتحدة ما يزيد على 80 مليون دولار من أجل الأنشطة السياسية والانتخابية في عراق ما بعد صدام، هذه الجهات هي التي سترتب البيت السياسي بما يتفق والمصلحة الأمريكية في المنطقة .
هل يعقل أن العملية السياسية التي جرت هي مجرد صورة، وأن العراقيين لا حول لهم ولا قوة، وأن كل شيء أعدّ سلفاً؟!
ج / ـ لا أبداً لم أقل ذلك.. العملية عراقية، والذين قاموا بها عراقيون، لكن الذي وضع أسسها هم هؤلاء، فعلى أي وجه تؤول إليه هذه العملية فلن تخرج بالمحصلة عن طوع إرادتهم تماماً كما لو أنك أدخلت مجموعة في مسابقة للركض، ووضعت أمامهم عدداً من الطرق، لكن هذه الطرق جميعاً تنتهي إلى نقطة واحدة، بالتالي لو سلك هذا الطريق عشرة، وسلك الطريق الثاني خمسة، ولو سبقت هذه المجموعة أو تلك فالمحصلة هي الوصول عند نقطة النهاية المرسومة سلفاً، وهذا بالضبط ما حدث في العراق، فليس مهماً عند الأمريكيين أن تتعرض العملية الانتخابية للتزوير أو أن يتقدم هذا الكيان أو ذاك؛ لأن العملية برمتها ستدخل في مرحلة من مراحلها هذا النفق.
وهذا ليس سراً، فالسياسيون العراقيون يعرفون ذلك، وقد حذرت قوى سياسية من التزوير، وفسر هذا الخوف أحدهم وهو السيد حيدر العبادي في استضافة له في قناة الجزيرة يوم الانتخابات حين سئل عن سبب هذا التخوف، فقال: إن هناك مرحلة تدخل فيها النتائج الحواسيب، ولا ندري من يشرف على هذه العملية، ونخشى أن يكون التزوير فيها. وحين قالت له مقدمة البرنامج: والعملية السابقة ألم يحدث فيها ذلك؟! فقال: نعم. ولكنهم قالوا حينها إن الذين يشرفون عليها ثقات، فصمتنا!!
س / كيف تتوقعون الخارطة السياسية المقبلة للعملية الانتخابية؟
ج / ـ في تقديري الشخصي فإن الأمريكيين سيحاولون إرضاء الجميع، ولن يسمحوا بتكتل واحد يهيمن على الأمور كلها، بل سيكون المجلس النيابي القادم مكوناً من معظم القوى السياسية، كما أن توزيع الوزارات سيخضع للمعيار نفسه مع المحافظة على ما سنّه الأمريكيون جزافاً ولأسباب لا تخفى على اللبيب من اعتبار الأكثرية لجهات والأقلية لأخرى. وأعتقد أنه سيكون للتحالفات دور كبير في ترتيب الوضع. وفي كل الأحوال سيحاول الأمريكيون تغليب كفة التوجه العلماني قدر الإمكان، ومنح مراكز القوة للأشخاص الذين يتمتعون بولاء مطلق لهم؛ لأن المرحلة القادمة في نظرهم من الأهمية بمكان.
وأنا لا أستبعد أن خلافات شديدة بين الكيانات السياسية ستقوم بعد النتائج، وسيلعب السفير الأمريكي في العراق ذو الخبرة في هذا التخصص دوراً في التوفيق بين هذه الكيانات على النحو الذي يؤول إلى ما ذكرناه. وهذا كله في تقديري مخطط له سلفاً؛ لأنه يؤسس للطموح الأمريكي وهو تأصيل المحاصصات في الوضع العراقي، وهو كما سبق أن بينا هدف استراتيجي سيناضل الأمريكيون من أجله حتى آخر رمق. وإذا لم يكن هذا هو السيناريو فالبديل هو دفع الساسة إلى فتنة كبيرة ومحاولة جر الناس إليها. نسأل الله السلامة.
س / هل تعتقد أن الوضع العراقي سيتحسن؟
ج / ـ أتمنى ذلك، لكن إذا سألتني عن استشرافي للوضع فأرى ـ إذا آلت الأمور إلى التوافق ـ أنه قد يتحسن في بعض الجوانب، لكنه على العموم سيزداد سوءاً، فالحكومة القادمة ستبقى ضعيفة، وأشك كثيراً في إمكان تشكيلها سريعاً، وربما تبقى حبيسة المنطقة الخضراء كسالفاتها.. نعم ستحظى بدعم كبير من الأمريكيين ومن الدول العربية والأسرة الدولية، لكن هذا وحده لن يكون كافياً لحل المشكلة العراقية .
س / الملاحظ أن المقاومة العراقية لم تستهدف صناديق الاقتراع كما وعدت بذلك ووفت بوعدها، كيف تقيمون ذلك؟
ج / ـ نحن مبتهجون جداً لهذا الإجراء، ونعتقد أن المقاومة دللت من خلاله على ما تتمتع به من نضج، وبعثت برسالة مفادها أن رجال المقاومة جزء من النسيج العراقي، وأن عدوهم هو المحتل، وليس أبناء العراق. كما أن وفاءها بالتزامها أكد أنها من يهيمن على الساحة العراقية، وأن القوى الأخرى ليس لها النسبة المروجة إعلامياً.
س / هل تعتقدون أن المقاومة سيبدأ عدها التنازلي بعد العملية الانتخابية؟ وهل ستستجيبون إلى دعوات أطلقها بعض المسؤولين لمخاطبة المقاومة بإلقاء السلاح؟
ج / لا أظن ذلك.. فمع التصريحات التي أدلى بها الرئيس بوش بعد الانتخابات وأكد فيها أن قواته لن تنسحب من العراق، وأنها ستبقى في وضع هجومي، وستمارس ضرباتها الاستباقية ضد المقاومة، ثم تنفيذه الفعلي لهذه التهديدات بقيام قواته بعملية جديدة على منطقة العبيدي سميت بالقمر المنير، كل هذه مؤشرات على أن وضع المقاومة سيتأجج، وأنها ستخضع لعد تصاعدي وليس العكس، ويبدو لي أن الرئيس بوش ما زال بعيداً عن فقه الواقع العراقي. والله أعلم.
أما بخصوص الاستجابة لدعوة مفادها أن نطلب من المقاومة ترك السلاح، فأنا أعد هذا الطلب غريباً للغاية؛ لأننا لا نملك هذا الحق. وقديماً قالوا: فاقد الشيء لا يعطيه.. بمعنى آخر مع وجود الاحتلال وعملياته العسكرية التي تطال المدن وتقتل الصغير والكبير وتؤجج الغضب لا يوجد أحد يملك حق إلغاء حق الشعب في المقاومة، وقد قلت قبل أيام في إحدى الفضائيات العربية عن هذا الموضوع: سيكون لنا الحق في مطالبة المقاومة بإلقاء السلاح في حالات ثلاث: إذا نزل وحي سماوي جديد يغير المبادئ الدينية في الدفاع عن النفس والحقوق والوطن، أو قررت الأمم المتحدة إلغاء مواثيقها الدولية بهذا الصدد، أو آثرت الشعوب أن تتخلى عن اعتباراتها التاريخية ومواقفها الفطرية في مقاومة الاحتلال.
وليكن معلوماً لديك - أخي العزيز - أننا لو خضعنا جدلاً لضغوط من هذا النوع ـ لا سمح الله ـ وطلبنا من المقاومة ذلك، لم يستجب لنا أولاً، ولخسرنا ثانياً المصداقية عند شعبنا وشعوب العالم، وهذه حقيقة يجب أن يدركها الأعداء قبل الأصدقاء.
س / باختصار.. هل أنت متفائل؟
ج / ـ إنني متفائل بمستقبل العراق ليس في هذه المرحلة، لكن في المراحل التي تليها إن شاء الله.
س / كلمة أخيرة تحب أن توجهها إلى الشعب العراقي أو إلى الكيانات السياسية؟
ج / ـ إن كان ولا بد، فلي كلمة أوجهها إلى الشعب العراقي الصابر المحتسب بكل مكوناته وأطيافه الجميلة، فأقول لهم:
لا حياة كريمة لكم ولا استقرار من دون الوحدة الوطنية الجامعة. والمشروع الأمريكي في التقسيم الطائفي والعرقي إن نجح على أرضكم ـ لا سمح الله ـ فاعلموا أن باباً كبيراً من أبواب الشر سيفتح، ولن يكون من السهل إيصاده بسهولة، فاحذروا ذلك، ما استطعتم إليه من سبيل، وأمامنا فرصة لنبني جميعاً عراقاً حراً كريماً لا يشعر أحد فيه بغبن بإذن الله..
إننا في هيئة علماء المسلمين ننظر إلى مكونات الشعب العراقي كباقة الورد كلما كثرت ألوانها كانت أبهى وأزهى، لكنها بحاجة إلى رابط مكين يشد بعضها إلى بعض حتى لا تنفرط ويذهب بريقها.
أجرى الحوار: الشاعر والصحفي عبد الكريم الكيلاني
الشيخ الفيضي: العناصر المخلصة للوطن ستبقى بعيدة عن العملية السياسية والمشكلة ستبقى قائمة
- مقابلات صحفية
- 5394 قراءة
- 0 تعليق
- الإثنين 29-05-2006 01:01 صباحا