الحلقة الثالثة: هل حسم موضوع الدستور العراقي إلى الأبد؟
الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين في العراق د. محمد بشار الفيضي:
( نجد في تاريخ مقاومة الشعوب أن دساتير المحتلين هي أول الآثار زوالاً بعد خروجهم ) س1ـ لقد كنتم ممن تبنى مقاطعة الاستفتاء على الدستور الدائم للبلاد، وقد مرر الدستور كما ترون. فكيف تقيمون ما حدث؟
ج1ـ في آخر لقاء صحفي بيني وبينك - وكان ذلك قبل شهرين من الاستفتاء - قلت لك إن الدستور سيمرر في كل الأحوال؛ لأنه حلقة في مسلسل الأجندة الأمريكية للمنطقة.
ونحن في هيئة علماء المسلمين كنا ندرك تماماً أن أفضل سلاح لهذه الحلقة والمسلسل برمته هو المقاطعة؛ لأنها مضمونة النتائج. وعلى هذا الأساس دعت الهيئة القوى السياسية - التي طاوعتنا في مقاطعة الانتخابات السابقة - إلى اجتماع في مقرها بتاريخ 18/ رمضان لبحث هذا الموضوع، ولكن للأسف وجدنا أن هذه القوى لديها أمل في أن تبطل الدستور من خلال المشاركة في الاستفتاء بقول: (لا) وفقاً لقانون إدارة الدولة المؤقت القاضي بأن ثلثي ثلاث محافظات لها القدرة على إسقاط الدستور.
وقالوا لنا ما المانع من أن نستعمل سلاحاً وضعه العدو ضد من وضعه؟! فلم نشأ أن نفرض عليهم موقفنا، لكننا أكدنا لهم أن هذا العدو لن يسمح لهم بأن يستعملوا سلاحه ضده ولو اقتضى ذلك أن يزور النتائج كلها، وأن اعتقادهم بأنهم قادرون على تحقيق شيء من وراء ذلك لهو حسن الظن بالأمريكيين، وهذا خطأ سياسي قاتل؛ لأن الأمريكيين مصممون على تمرير الدستور مهما كان الثمن، وهذا الذي حصل.
فعلى الرغم من وضوح الرفض سواء أكان ذلك من خلال المقاطعة التي تبنتها الهيئة أو من خلال الـ (لا) التي تبنتها القوى الرافضة للدستور فقد مرر الدستور رغم الأنوف.
س2 ـ جاء في بيان الهيئة الذي صدر عن هذه القضية وصف الدستور بأنه دستور الاحتلال. ألا تجدون أن هذا الوصف فيه مبالغة مع وجود هذا العدد الكبير من المصوتين بـ (نعم)؟
ج 2 ـ لن نكون أمناء إذا تجاهلنا الآلية التي مر ت بها العملية الدستورية والظروف والملابسات التي أحاطت بها والتي تؤكد برمتها على أننا لم نخطئ الوصف، فإذا ابتدأنا بقانون إدارة الدولة المؤقت الذي قنن هذه الآلية ورسم معالم المشروع الدستوري وحدد ضوابطه فسنجد أن هذا القانون ابتداء ليس له أي رصيد من المشروعية، فهو (قانون بريمر) كما يسميه الناس، ولم يوقع عليه الشعب العراقي، بل وقعت عيه أحزاب ظهر معظمها على الساحة العراقية بعد الاحتلال.
ومعلوم أن النظام السابق لم يكن يسمح بأي نشاط سياسي خارج نطاق حزبه، وبالتالي فهذه القوى والأحزاب لم يكن لديها أي رصيد شعبي مناسب حتى تدعي أنها بتوقيعها على القانون تمثل الشعب العراقي، ولا يمكن لها أن تزعم أنها كسبت الشعب العراقي في ظرف سنة، فهذا غير منطقي إطلاقاً.
وبناء على ذلك فهذه القوى حين وقعت على هذا القانون فهي إنما تمثل نفسها، وبالتالي يمكن القول: إن هذا القانون فاقد للشرعية بالأساس، ولذلك كل ما يبنى عليه لن يكون أفضل حالاً منه.
فإذا تركنا هذا الموضوع وجئنا إلى لجنة المفوضية العليا المعينة من السفير الأمريكي بريمر - وهي التي أشرفت على الانتخابات السابقة وعلى الاستفتاء وستشرف على الانتخابات القادمة - فسيكون من السذاجة القول إنها تعمل وفق مصلحة الشعب العراقي وإن اقتضى ذلك ضرب المصالح الأمريكية!!.. وإذا كان الساسة أنفسهم لا يمكنهم الخروج على الإرادة الأمريكية فقل لي بربك كيف تقنعني بأن ثمانية \"مستقلين\" ليس لهم أي وزن سياسي وعينوا من الأمريكيين قادرون على أن يضربوا الأمريكيين في عمق مصالحهم؟!.
ولمعلوماتك فإن هذه اللجنة تملك الكثير من المعلومات الخطيرة التي تكشف أبعاد اللعبة الأمريكية سواء في الانتخابات السابقة أم في الاستفتاء، ولكنها تكتم إما رغبة أو رهبة. وأنا على يقين من أنها ستقف يوماً للمساءلة أمام الشعب العراقي ما لم تبرئ نفسها وتكشف ما عظم من المستور؛ لأن أخطر ما يمكن أن يرتكبه الإنسان هو اللعب بمصائر الشعوب. على أية حال هناك خلل ابتدائي بشرعية المفوضية والثقة بها.
فإذا تركنا المفوضية وجئنا إلى الملابسات الأخرى فسنجد أنفسنا إزاء طامات. وأية طامات؟!.
س4 ـ هل يمكنكم استعراض أخطر هذه الطامات؟
ج4ـ ابتدأت العملية الدستورية بخطأ قاتل، وهو غياب ما يربو على 6 مليون عراقي ـ حسب إحصاءات حكومية ـ عنها.
س5ـ كيف ذاك؟!
ج5ـ إذا افترضنا سلامة الانتخابات السابقة ـ ونحن لا نفترض ذلك ـ فإن هناك 6 ملايين نسمة قاطعتها، واللجنة الدستورية انبثقت من الجمعية الوطنية التي هي بشهادة القائمين على العملية السياسية ـ سواء أكانوا أمريكيين أم عراقيين ـ لا تمثل الشعب العراقي كله، فهناك مكونات أساسية مغيبة، هم يسمونهم السنة، ونحن نسميهم القوى المناهضة للاحتلال. والسؤال الآن من يمثل هؤلاء في كتابة دستور دائم للبلاد؟
في البدء كان هناك توجه لتجاهل هذا المكون على اعتبار أن كتابة الدستور ـ كما في قانون إدارة الدولة ـ من شأن المنتخبين، وما دامت هذه القوى لم تشارك في الانتخابات فلا يحق لها كتابة الدستور، وما من شك في أن هذه هي السذاجة بعينها فالدستور ليس صفقة يحوزها القوي، إنما هو منهج سياسي ينتهجه الشعب قي إدارة شؤونه، وما لم يتفق عليه الجميع فلا قيمة له.
وإزاء هذه المعضلة اضطر اللاعبون إلى السعي لتعيين لجنة تمثل هؤلاء المغيبين، ولم يكن هذا الحل سليماً، لكنه لذر الرماد في العيون؛ لأن هؤلاء المعينين ـ كما قلت لك في آخر حوار ـ لم ينتخبوا كما هو الحال بالنسبة للآخرين، وبالتالي لا يمكنهم الادعاء بأنهم يمثلون القوى المغيبة، وهم لم يزعموا ذلك. وإذاً.. ظلت العملية الدستورية حتى هذه اللحظة فاقدة لركن من أركانها، فأية قيمة لها؟! ولكن القوى السياسية كانت تصر على أن هؤلاء يمثلون القوى المغيبة، وبالتالي لم يعد لأحد الذريعة ـ كما زعموا ـ للطعن بالعملية الدستورية..
وفي كل الأحوال مارست هذه اللجنة دورها، وجهدت للوصول إلى ما تظنه منسجماً مع طموحات القوى المغيبة فقدمت ملاحظاتها ومآخذها، وكان ما قدمته يصطدم مع المخطط الأمريكي في إضعاف العراق، ويصطدم مع مصالح القوى التي أبرمت معه اتفاقاً على تنفيذ المخطط بما يخدم مصالحها ويضر بالصالح العراقي العام، فرفضت هذه الملاحظات والمآخذ، وهنا تغير الأسلوب في التقييم فبدأت القوى السياسية التي كانت بالأمس تزعم أن هؤلاء يمثلون القوى المغيبة، وأنه لم يعد لأحد الاعتراض بعدم تمثيلهم، تبرر رفضها ـ هذه المرة ـ لمقترحاتهم ومآخذهم بأن هؤلاء معينون وليسوا منتخبين، وبالتالي هم لا يمثلون القوى المغيبة، ولا يمكن أن نطمئن إلى ما قدموه على أنه بالفعل يمثل آراء المغيبين. وحين كان هؤلاء الساسة يسألون كيف لكم أن تعرفوا إذاً مواقف القوى المغيبة في صياغة الدستور؟!، كانوا يجيبون بكل بساطة أن أمامنا استفتاء ومن خلاله سنعلم مواقفهم.
س6ـ ألا ترون أن الاستفتاء هو بالفعل كفيل بذلك؟
ج6ـ من دون شك كلا.. لكني قبل ذلك دعني أسالك.. أين العدالة في هذه العملية ابتداء؟!.. لماذا يعول على الدستور في جزء منتخب ويعول على الجزء الآخر في الاستفتاء؟! أليست هذه الدكتاتورية التي يزعمون أنهم أسقطوها.. إننا بحق أمام دكتاتورية جديدة تتعدى الشخص الواحد ليمثلها هذه المرة عدة أشخاص، ومن معالم هذه الدكتاتورية الجديدة مصادرة إرادة 6 ملايين على أقل تقدير في صياغة دستور دائم للعراق.
ونحن في الهيئة كنا متيقنين من أن هذه الطامات وأمثالها ستحصل، فمع وجود قوات محتلة تفرض سلطانها بقوة السلاح ولها أجندتها في الدستور، ومع وجود قوى سياسية متحالفة ولها ميليشياتها هي الأخرى تريد أن ينحاز الدستور إليها لا يمكن تصور عملية دستورية فيها الحد الأدنى من النزاهة، لذالك ومنذ البداية طعنا في العملية الدستورية وقلنا إنها لن تكون أبداً في صالح العراق والعراقيين.
س7ـ ألا ترى أنهم مضطرون إلى ذلك؛ لأنهم لا بد من أن ينجزوا الدستور بأية طريقة، فالأمريكيون لن يسمحوا لهم بالتأخير؟
ج7ـ أولاً: لماذا لم يكتبوا ـ على سبيل المثال ـ دستوراً مؤقتاً ليخرجوا من المعضلة التي أوقعوا أنفسهم فيها؟!. أؤكد لك أن الدستور في هذه الحالة لن يحترم، وسينظر إلى من دعمه على أنهم سرقوا حقوق الشعب العراقي، واستعانوا بالمحتل على ذلك، وهاتان فعلتان إحداهما أمرُّ من الأخرى.
ثانياً: إذا قلت لي إنهم خضعوا لإرادة الإدارة الأمريكية مكرهين فهنا مكمن الخطر؛ لأن هذا يعني أنهم فرطوا بمصالح الشعب العراقي من أجل أمريكا. والسؤال: هل يحق لمثل هؤلاء قيادة الشعب العراقي وهم يفرطون بمصالحه؟! وإذا قلت لي: إن هذا التوجه الأمريكي يلتقي مع مصالح هذه القوى ولذا رضيت به، فهذا يعني أن ثمة تواطأ على تغييب إرادة الشعب العراقي، وأن ثمة صفقة بالفعل مبرمة بين الاحتلال وهذه القوى تم تمريرها من خلال هذا السيناريو. وهنا أجدني مضطراً إلى أن أقول لك على من جنى الأرباح ألا يبتهج ـ والحالة هذه ـ بما جناه؛ لأن السنن الإلهية تؤكد أن المال الحرام يذهب ويذهب معه أصحابه.
على أنك حينما تتابع السيناريو في اعترافهم أولاً باللجنة المعينة كجهة ممثلة للقوى المغيبة ثم تنصلهم بعد ذلك من هذا الاعتراف، والزعم بأن القوى المغيبة يمثلها الاستفتاء فحسب لا يخالجك شك في أن الغرض من ذلك هو تمرير الدستور بأي ثمن، ولما تعذر عليهم ذلك عبر اللجنة اضطروا إلى نقل الكرة إلى ملعبهم وهو الاستفتاء، فلقد كان الاستفتاء ميدانهم حقيقة، فهم من بنى هذا الميدان ووضع فيه اللاعبين، ونصب المراقبين والحكم، وفي هذا الميدان حققوا ما عجزوا عن تحقيقه بوسائل أخرى، ونحن كنا ندرك ذلك، ولذا حذرنا القوى التي أصرت على المشاركة في الاستفتاء بـ(لا) من الوقوع في الفخ، ولم يخرج الأمر على ما توقعناه.
س 8 ـ من تظنون اللاعب الرئيس في موضوع الدستور؟
ج8 ـ من دون شك الأمريكيون أولاً ثم القوى الحاكمة.. ولا ينبغي أن ننسى ما قاله الدكتور (محمود عثمان) من أن للأمريكيين اليد الطولى في هذا الدستور!!، ولا ينبغي أن ننسى أن السفير الأمريكي كان يحضر جلسات المناقشة المعلنة وغير المعلنة على الدستور!!.
ولا ينبغي أن ننسى ما قاله الدكتور (صالح المطلك) وغيره من أن السفير الأمريكي عرض على كل عضو في اللجنة المعينة لتمثيل القوى المغيبة ملايين الدولارات مقابل الموافقة على الدستور حتى وإن اقتضى ذلك تسجيل التحفظ على بعض فقراتها!!، ولا ينبغي أن ننسى ما قاله نقيب المحامين العراقيين (كمال الملاح) من أن زلماي زاده وعدهم إن هم صادقوا على الدستور أن يكون لهم سند إزاء الشيعة والأكراد وإلا فإنه سيسحب البساط من تحت أرجلهم!!.
ولا ينبغي أن ننسى هيمنة الأمريكيين على صناديق الاستفتاء في مواطن عديدة منها: ديالي والموصل والناصرية وبلد والبو عيثة وغيرها حتى أن السيد وزير النقل في الحكومة الحالية خرج على قناة العربية في برنامج (بانوراما) وقال إن صناديق الاستفتاء في الموصل تتعرض لمؤامرة!!، ولا ننسى أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس لم تصبر فأعلنت في الساعات الأولى من الاستفتاء أنها تعتقد أن العراقيين صادقوا على الدستور!!.
ولا ينبغي أن ننسى الحملات الإعلانية والدعائية الكبيرة التي ملئت بها القنوات العربية العالمية كالعربية والجزيرة، وهذا أسلوب أمريكي معروف، كلها كانت تصور الدستور للعراقيين على أنه الحلم المنشود، وأنفقت في سبيل ذلك ملايين الدولارات، باستغلال فاضح لعجز القوى الرافضة للدستور عن إنفاق المثيل، وغير ذلك مما يصدق فيه المثل: شر البلية ما يضحك!!
س 9 ـ إذاً تعتقدون أن هناك تزويراً في عملية الاستفتاء؟
ج9ـ عملية التزوير التي شهدها هذا الاستفتاء تفوق الخيال.. وكان ذلك في اتجاهين: الأول: في التغطية على حجم المقاطعة التي دعت إليها الهيئة، فقد كان حجمها مفاجئاً، والأكثر إثارة أن المقاطعة هذه المرة شملت المناطق الشمالية والجنوبية، ولم يكن بالإمكان كتمان ذلك، وهذا أوقع الساسة المعنيين بحرج شديد فاضطروا إلى إيجاد مبررات لهذه الظاهرة، فسمعنا في المنطقة الشمالية وعبر الفضائيات من يبرر ذلك بأن الناس هنا كانوا واثقين من حصول الدستور على الموافقة لذا لم يتحمسوا للمشاركة، وبرروا الغياب الملحوظ للفئة الشبابية بأن للعولمة تأثيراً على هذه الفئة مما أضعف الحس القومي لديهم وغير ذلك.
أما في المناطق الجنوبية ففد فقدوا صوابهم وأخذت أجهزة الشرطة تصرخ عبر مكبرات الصوت المثبتة على مركباتها تدعو إلى المشاركة وتذكر بفتاوى المراجع الدينية التي تحرم المقاطعة كما حدث في الناصرية وغيرها من مناطق الجنوب، وهذا في نظرنا يعكس وعي الشعب العراقي وأنه ليس له ثقة بما يجري على أرض الواقع، وهذا الوعي هو الذي يجعلنا متفائلين بمستقبل العراق.
والاتجاه الثاني في التزوير: تمثل في إدراج قسائم مزورة تحمل كلمة (لا)، وهذه العملية مورست بكثرة في الجنوب وفي مدينة بعقوبة والموصل خاصة بعدما أوحوا إلى الناس أن الموصل محسم النزاع، وأظهروا النسبة بطريقة ذكية وهي نسبة 54 % قالوا (لا) وهي نسبة غير كافية لرفض الدستور، وأنت من هذه المدينة وتعلم كم أهلها محبطون وهم يرون بأم أعينهم كيف تسرق أصواتهم وتصادر إرادتهم عبر لعبة تسمى الاستفتاء.
على أنك لو تجمع نسبة 54 % مع نسبة الرفض في تكريت وهي 72 % مع نسبة الرفض في الأنبار وهي 96 % ستكون نسبة الرفض لديك في ثلاث محافظات هي 75 % وهي أكثر من ثلثي ثلاث محافظات، وهذا ما يقتضي وفق قانون إدارة الدولة المؤقت رفض الدستور، لكنهم غيروا تفسير النص إلى ثلثين من كل محافظة، ولو كان هذا القصد صحيحاً كما يدعون لكان المفترض بالمادة القانونية أن تنص على ثلثي كل محافظة من ثلاث محافظات.
ولك بعد ذلك أن تقدر حجم المهزلة، فهم من يضع القانون على الناس قسراً، وهم من يخرجون عليه حين يحسون أنه لم يعد يخدمهم.
وهناك أمر آخر أنك لو جمعت نسب الذين قالوا (لا) للدستور في كل محافظة مع عدد المقاطعين ـ الذين ينبغي أن يحسب مع الرافضين بـ(لا)؛ لأن هذه المقاطعة كما في الانتخابات السابقة لم تكن تنازلاً عن التصويت بل موقف سياسي مبني على رفض العملية السياسية برمتها بما فيها الدستور، أقول لو جمعت هذه النسب بعضها مع بعض لرأيت أن الأغلبية الساحقة قالت للدستور (لا)، ومع ذلك مرر الدستور.
هذه هي في الحقيقة (الديمقراطية الأمريكية)، لا تعدو أن تكون حيلاً لسرقة إرادات الناس، ومن هنا فالأمريكيون لا يختلفون كثيراً عن الأنظمة الدكتاتورية بل لعلهم الأسوأ؛ لأن الدكتاتور يمارس ظلمه علناً، ويصل إلى مبتغاه في قهر الشعب، والأمريكيون يصلون إلى المبتغى نفسه بطرق النصب والاحتيال عبر شعارات مزيفة ظاهرها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب!!
س10ـ ما دمتم تملكون هذه المعلومات، فلماذا لا يعرفها الناس؟
ج10ـ ما يحدث ليس مفاجئاً، فالشعب العراقي محتل وهو مسلوب الإرادة، ونحن على الرغم مما علينا من ضغوط لن نضنّ - نبخل - بتعريف العراقيين بما يجري، والناس فيما علمنا عرفوا حقيقة ما يجري، ولكن من يوصل صوتهم، ومع ذلك فإن معرفة الناس لا تغير من الأمر شيئاً ما دام الاحتلال موجوداً. إن من غير الطبيعي أن يعلن عن رفض الدستور وهو من أجندة الاحتلال، وهذا ما يدعو الهيئة إلى التشبث بموقف المقاطعة؛ لأنه الوسيلة الوحيدة التي يمكننا ضمان نتائجها، ولو أن العراقيين اجتمعوا عليها لأصاب الأمريكيين حرج شديد، ولكانوا مضطرين ـ مع ضربات المقاومة الموجعة ـ إلى تسليم الملف العراقي إلى الأمم المتحدة .
س11 ـ ألا يقلقكم أن الدستور قد مرر؟
ج11ـ لا أبداً.. هذا الدستور دستور احتلال، والمتابع لتاريخ مقاومة الشعوب يعلم أن الدساتير التي يضعها المحتلون تكون أول الآثار زوالاً بعد خروج الاحتلال، ولا يغرنك موضوع الاستفتاء، فهذا السيناريو ليس جديداً، الأمر نفسه فعله الإيطاليون المستعمرون في ليبيا والإنكليز في العراق. ودعني أذكرك بأبيات قالها الرصافي أصبحت تاريخاً حرياً بنا أن نستذكره هذه الأيام عاب فيها الوضع السياسي برمته في عهد الانتداب البريطاني، فقال:
عَلَمٌ ودستورٌ ومجلسُ أمّة كلٌ عن المعنى الصحيح محرّفُ
من يقرأْ الدستور يعلمْ أنـّه وفقاً لصكّ الانتداب مصنــّفُ
وإذاً.. فهذا ديدن المحتل في كل أرض يحتلها، والتاريخ ـ كما يقولون ـ يعيد نفسه، إنه يسعى لمنح ذاته الشرعية بمثل هذه الحيل.. وللمعلومات فإننا استفدنا من نتيجة (نعم) للدستور كقوى وطنية رافضة للاحتلال أكثر بما لا يقاس، لو كانت النتيجة (لا)، وربما يفاجئك هذا الكلام، ودعني أوضح لك ذلك: لو جاءت النتيجة مطابقة لإرادة الناس وأعلن عن رفض الدستور سيقوى موقف الأمريكيين ـ والحالة هذه ـ وستكون لهم مصداقية أمام العالم والشعب العراقي على اعتبار أنهم على الرغم من رغبتهم في تمرير الدستور إلا أنهم خضعوا لإرادة الشعب العراقي، وتم رفض الدستور ديمقراطياً، وهذا ما يبشرون به، وهذا بالتالي يعني نجاحاً للمشروع الأمريكي في المنطقة، ونجاح أية عملية سياسية قادمة يقوم بها الأمريكيون بما في ذلك الانتخابات القادمة.
لكن الذي حصل الآن أن خيار المقاطعة الذي تبنته هيئة علماء المسلمين والقوى الوطنية الأخرى الرافضة للاحتلال أثبت نجاحه بشكل كبير، فقد أدرك الناس صحة تشكيكنا بأية عملية سياسية في ظل الاحتلال، وقامت لديهم مبررات تجريبية على هذا الطعن فها هم قد شاركوا ولم يتغير شيء، ونحن نلتقي أسبوعياً بعشرات السياسيين فيقولون لنا لقد كنتم أذكى في موقفكم من الآخرين.
هذا من جانب، ومن جانب آخر تلاشت المصداقية لدى العرقيين من الآن في العملية السياسية القادمة وهي الانتخابات، وسترى أن إقبالهم عليها سيكون أكثر فتوراً، فلم يعد للثقة مكان لديهم، وهذا يعني أن الحكومة القادمة لن تحظى بثقة الشعب كما يخطط لها الأمريكيون، وستبقى ضعيفة ومرتبكة حتى يأذن الله بحكومة بعدها تنتخب في ظل الحرية بعيداً عن شبح الاحتلال، وهذا يعني بالضرورة بداية النهاية للمشروع الأمريكي برمته في المنطقة.
س12ـ كلمة أخيرة
ج12ـ أذكر ببيان الهيئة أن هذا الدستور نشأ في ظل الاحتلال وتحت إشرافه وبحمايته فهو أثر من آثاره وسيزول بزواله، فلا ينبغي للعراقيين أن يقلقوا مما حدث.
وبالنسبة للقوى السياسية التي تشعر أنها انتفعت من الدستور أقدم لها النصح أن لا تقطف ثمرة لن يباركها الشعب العراقي؛ لأن ثماراً لا تسقى بماء الطيبات لن تقوى على الصمود ولن تكون لأهلها هنيئاً مريئاً.
ونحن بالمحصلة لسنا ضد مصلحة أحد؛ لأننا نحب كل العراقيين المخلصين، ونريد لهم الخير الذي لا يشعر من يناله بالحرج أو أنه سيكون في وضع لا يحسد عليه من مساءلة التاريخ والناس، وقبل ذلك مساءلة رب العالمين.
أجرى الحوار: الشاعر والصحفي عبد الكريم الكيلاني
د. الفيضي: نجد في تاريخ مقاومة الشعوب أن دساتير المحتلين هي أول الآثار زوالاً بعد خروجهم
- مقابلات صحفية
- 5599 قراءة
- 0 تعليق
- الإثنين 22-05-2006 01:24 صباحا