د. الفيضي: في مؤتمر القاهرة أوصلنا رسالة إلى شعبنا تتضمن حرصنا على حل المشكلة العراقية

الحلقة الثانية - وفاق القاهرة.. كيف؟. وإلى أين؟

الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين في العراق د. محمد بشار الفيضي:

( في مؤتمر القاهرة أوصلنا رسالة إلى شعبنا تتضمن حرصنا على حل المشكلة العراقية )

( الاتحادية نرفضها لأنها تمهد لتقسيم العراق ) حضرت هيئة علماء المسلمين اجتماع الوفاق في القاهرة كباقي التيارات السياسية التي تحاول إخراج العراق من الأزمة الخانقة التي تسيطر على أجوائها وتؤشر لمستقبل مجهول تكتنفه ضبابية لا أمل في الخروح منها بصيغ توافقية ترضي جميع الأطياف العراقية. ولمعرفة المزيد عن رأي الهيئة ومشاركتها والجوانب غير المعلنة والمواقف أجرينا هذا الحوار مع الدكتور محمد بشار الفيضي الناطق الرسمي لهيئة علماء المسلمين في العراق: س / د. محمد. لنبدأ بالمكاسب التي حصلتم عليها من مؤتمر القاهرة، ما هي في تقديركم المكاسب التي تستحق الذكر؟ ج / ابتداء هناك مكاسب عديدة، لكن من الخطأ التصور أنها مكاسب للهيئة؛ لأنها في الحقيقة مكاسب للعراق بمعنى آخر ليست الهيئة حزباً سياسياً كالآخرين لديها طموحات في الحصول على مكاسب معينة حتى يمكن القول إنها حققت في القاهرة إنجازاً يمكنها من الحصول على هذه المكاسب، بل هي طرحت نفسها جزءاً من الذين آلوا على أنفسهم رعاية القضية العراقية العادلة، فما تحصل عليه من مكاسب في هذه السبيل، فإنما هو بالمحصلة مكاسب للعراق وللشعب العراقي . س / عذراً قبل الحديث عن المكاسب، هل كان يدور في خلدكم الحصول على أية مكاسب لدى اتخاذكم قرار المشاركة؟ ج / نعم. ما كان في حساباتنا هو أن مجرد المشاركة فيها مكاسب؛ لأننا كنا نعلم أن هذا اللقاء الذي يجري برعاية الجامعة العربية وحضور من الأمم المتحدة والمفوضية الأوربية سيلقى متابعة من كل القوى السياسية العالمية. إذاً فهو فرصة ذهبية لإيصال صوت القضية العراقية إلى أكبر مساحة في العالم، هذا الصوت الذي مورس عليه حصار شديد لأكثر من سنتين ونصف ليبقى العالم يجهل حقيقة ما يجري، وقد واتته فرصة ربما لن تتكرر ليصل إسماعاً تجهله، ومن السذاجة إضاعتها. ولذا عكفت الهيئة على صياغة كلمة الأمين العام بمتابعته ومشاورته على نحو كفيل بإيصال القضية وكسب التأييد لها، وهذا ما نعتقد أنه حصل. وأذكر أن الأمين العام لما فرغ من كلمته قال له بعض أعضاء الهيئة ملاطفاً: سيادة الأمين العام بإلقاء كلمتكم انتهت مهمتنا هل نعود؟! وهناك مكسب آخر، وهو أن هذا الاجتماع يعد أول لقاء يتم بين القوى السياسية التي تتباين في مواقفها من الاحتلال، فهناك كما تعلم قوى أقل ما يقال فيها أنها رضيت بوجود الاحتلال وانخرطت في مشروعه السياسي، وأخرى سخطت على وجوده ورفضت التعامل معه جملة وتفصيلاً، وقوى ثالثة أعلنت سخطها على وجوده من وجه ورضيت بالتعامل السياسي معه من وجه آخر، هذه القوى اجتمعت لأول مرة على طاولة واحدة، وتباحثت بالشأن العراقي بشكل مباشر بعد أن كانت تتبادل المواقف عبر وسائل الإعلام، والحديث المباشر مع الآخر لا يعني كما ظن البعض الرضا عنه أو تناسي ما فعله، إنما فيه فرصة أن يفهم الآخر موقفك، وتفهم موقفه على الحقيقة بعيداً عن الأوهام التي يصنعها الإعلام أحياناً أو جهات لها مصلحة في إبقاء الضبابية على المواقف. وثمة مكسب ثالث، وهو أننا أوصلنا رسالة إلى شعبنا تتضمن حرصنا على حل المشكلة العراقية، وإن اقتضى ذلك الاجتماع بمن لا نرغب الاجتماع بهم لمواقفهم المسيئة إلى الحق الوطني خلال فترة الاحتلال، وأننا في الحقيقة لسنا العقبة كما حاول الإعلام المغرض إيهام شعبنا بذلك، وقد بدا للجميع أن العقبة متمثلة في الجهات التي ترفض الاعتراف بالمشكلة الحقيقية وهي الاحتلال، وترفض مغادرته البلاد بحجج واهية. مكاسب مؤتمر الوفاق س / هذا ما يمكن وصفه بمكاسب متأتية من المشاركة المجردة في اللقاء. فما هي يا ترى المكاسب التي تمخض عنها مجمل اللقاء؟ ج / هناك مكاسب مهمة حصلنا عليها من خلال البيان الختامي، فقد تضمن أمرين مهمين للغاية، الأول: اعتراف الجميع بمشروعية المقاومة ووجودها، وأنها أمر يختلف عن الإرهاب، وهذا يحصل لأول مرة. والثاني: اتفاق كل القوى السياسية على ضرورة جدولة انسحاب قوات الاحتلال في وقت عاجل، وهذا يحصل لأول مرة أيضاً. س / لكن لاحظنا أن ساسة عراقيين تنصلوا من ذلك بعد المؤتمر مباشرة، فقد قال السيد مسعود برزاني: لا توجد مقاومة في العراق، وإن الانسحاب ينبغي أن يكون بعد القضاء على الإرهاب، وهكذا نفى السيد عبد العزيز الحكيم وجود مقاومة شريفة. فماذا تقولون؟ ج / من دون شك فإن هذا مؤسف؛ لأن الرجلين كان لهما من يمثلهما في كل الجلسات، وقد أقرا صيغة البيان، وكان بمقدورهما ألا يفعلا ذلك أو يتحفظا على ما لم يحصل على قناعتهما كما فعلنا نحن ـ مثلاً ـ في شأن الإضافات، لذا يصعب تفسير الموقف. ومن دون شك فهذا سيعقد الأمور؛ لأن تجاهل ذلك في نظرنا هروب من الواقع لا يساعد على حل المشكلة العراقية. التنصل جاء أيضاً من القوات الحكومية العسكرية، ففي الوقت الذي تم الاتفاق فيه على إيقاف اجتياحات المدن والاعتقالات لم يلتزموا ذلك، فقاموا مع قوات الاحتلال بمهاجمة مدينة هيت والقرى المجاورة لها، ولا ندري ماذا سيفعلون بعد حتى موعد الانتخابات؟. وعلى أية حال يهمنا أن يعرف الشعب العراقي من يخرج على الاتفاق ويضيع الفرص، ومن يتحمل مسؤولية وضع العقبات في طريق حل أزمة المشكلة العراقية. س / هل تضمن البيان الدعوة إلى المشاركة في الانتخابات القادمة؟ ج / لا. أبداً. وهذه الفقرة بالذات أخذت من وقت المناقشة حيزاً كبيراً، فالأكثرية كانوا يريدون أن ينص البيان على دعوة الشعب العراقي إلى المشاركة في الانتخابات لكننا رفضنا، وقلنا لهم: هذا التعبير لا يمثل مواقف الجميع، فنحن لن نشارك في العملية السياسية القادمة؛ لأنها ستجرى في ظل الاحتلال، وبالتالي فهي في تقديرنا لن تحل المشكلة العراقية، وتوافقنا على ذلك قطاعات كبيرة من الشعب العراقي، فلماذا تصادرون مواقف الآخرين، فصار الرأي على أن يكون النص احترام مواقف الشعب العراقي من العملية السياسية وعدم إعاقة الشعب العراقي في اختيار ممثليه. فقلنا :هذا مقبول ؛لأننا سنحترم إرادة من يريد خوض الانتخابات آملين أن يمكنوا بالفعل من اختيار ممثليهم لا أن يفرض عليهم آخرون!. مآخذ هيئة علماء المسلمين س / هل كان في مجمل هذه الفعالية مآخذ أثارت لديكم عدم رضا؟ ج / نعم. ثمة مآخذ عديدة ليس من المناسب ذكرها جميعاً، لذا سأذكر بعضاً منها، وأحتفظ بالأخرى إلى وقت مناسب. وخذ على سبيل المثال قضية البيان، فنحن اجتمعنا في القاهرة اجتماعاً تحضيرياً للإعداد لمؤتمر وفاق عراقي، ولم نجتمع لصياغة مواقف سياسية، فالأمر ليس بهذه السهولة، وحين علمت الهيئة بوجود بيان كلفتني بصفتي المتحدث الرسمي باسمها لتسجيل موقف، فقلت للسيد الأمين العام للجامعة العربية أمام الملأ نرجو ألا يتضمن البيان أية مواقف سياسية، ونترك ذلك للمؤتمر القادم بيد أن ذلك لم يحصل، وفوجئنا بجلسة ضمت رؤساء الوفود في الغالب لصياغة البيان الختامي، وكان في معظمه يناقش المواقف السياسية. هذا من جانب، ومن جانب آخر فالجلسة لم تكن متكافئة، فقد حضر من قائمة الائتلاف ستة أشخاص، وحضر من القائمة الكردية ثلاثة على ما أذكر، ومن الحزب الإسلامي شخص واحد ومن مؤتمر أهل العراق واحد، ومن الهيئة كانت الدعوة موجهة للأمين العام فقط غير أن مرافقتي له ومعي نجله أحرجت الحاضرين فسمحوا لنا بالدخول، وهذا ليس عدلاً ؛لأن المناقشات حينما تدار، ويتبنى شخص واحد أو شخصان موقفاً، ويتبنى مجموعة كبيرة موقفاً آخر ستبدو الأقلية مستبدة، وسيضغط عليها الجميع للتنازل أمام ما يبدو أنه رأي الأكثرية، والأمر ليس كذلك لأن هذه الأكثرية كلها تمثل موقفاً واحداً، فالإنصاف أن يمثل أهل الموقف الواحد بشخص واحد أو يسمح لأصحاب الموقف المقابل باصطحاب عدد مماثل، ولا أدري ماذا أعلق على ذلك!! س / هل ثمة مآخذ أخرى؟ ج / أجل. وهو يخص البيان أيضاً، فإننا بعد مناقشة امتدت لساعات خلصنا إلى صيغة بيان اتفقنا عليه جميعاً، فقال السيد الأمين العام للجامعة العربية: أيها الإخوة هذه الصيغة ستعرض على بقية المشاركين، في الجلسة المعلنة، فلا تقبل فيه أية إضافة من رؤساء الوفود المجتمعين الآن معنا، ولا من أعضاء وفودهم؛ لأنكم تمثلونهم، وكان الكلام منطقياً، فرضي به كل المجتمعين، وانعقد عليه إجماع الحاضرين، فلما ذهبنا إلى الجلسة الأخيرة لم يلتزم بذلك بعض رؤساء الوفود وأصروا على إضافات جديدة كنا قد ناقشناها ولم نتفق عليها، فاتفقنا على إهمالها، وكأن هناك من أراد إحراجنا أمام الرأي العام، فكلفت من الوفد بالاعتراض على ذلك والتذكير بما تم الاتفاق عليه، ولكن للأسف الشديد لم يؤخذ بهذا الاعتراض، وأضيفت أشياء على أصل البيان الذي حصل من قبل على موافقة الجميع، الأمر الذي اضطر الأمين العام للهيئة إلى إعلان تحفظه على هذه الإضافات . س / هل يمكن أن تذكروا لنا هذه التحفظات؟ ج / المشكلة أن بعض وسائل الإعلام فهمت أن الأمين العام تحفظ على كل البيان، وهذا ليس دقيقاً، إنما كان التحفظ على الإضافات، ولذا اضطر الأمين العام للهيئة إلى اصطحاب الأمين العام للجامعة إلى مؤتمر صحفي، أعلن فيه الحقيقة، وأكد أن هذا التحفظ لن يكون عائقاً في مواصلة مسيرة المؤتمر. أما الإضافات التي تم التحفظ عليها فهي كثيرة، منها إضافة كلمة الاتحادي لوصف العراق، فنحن نرفض هذا؛ لأنه في هذه الظروف العسيرة يمهد لتقسيم البلاد، ومنها ذكر إدانة للنظام السابق، وبطبيعة الحال فإن في سلوك النظام السابق الكثير الذي يستحق الإدانة، لكننا قلنا إذا أردتم ذلك فلا بأس، لكن يجب في الوقت ذاته أن ندين سلوك حكومات ما بعد الاحتلال التي تورطت في سلوكيات مماثلة للنظام السابق وأحياناً كانت تفوقه ظلماً كضرب المدن والتعذيب والاغتيالات وما شاكل ذلك حتى لا يكون الغرض من الإدانة الحصول على مكاسب بعيداً عن هموم الشعب. ومنها إدانة التكفير، ونحن جميعاً ندين التكفير، لكننا أردنا عرضه بطريقة تدينه أينما وجد، فالتكفيريون ليسوا في طائفة واحدة، بل لهم وجود في كل الطوائف، لا يمكننا أن ننسى ـ على سبيل المثال ـ أن هناك أكثر من خمسين شاباً اغتيلوا في منطقة الشعب ببغداد لا ذنب لهم سوى أن أصولهم شيعية فصاروا سنة، وهذا يعني أن من يقتلهم يعتبرهم مرتدين، فالتكفير إذاً موجود في كل الطوائف ويجب أن يدان على هذه الصورة. وهكذا، وللأسف كان من هذه الإضافات التغيير في صياغة بعض التعبيرات التي تؤدي إلى إحداث تغيير في المعاني!! س / هل انتم متفائلون في المؤتمر القادم؟ ج / قبل الإجابة لا بد من التنبيه على أن اختيار وقت انعقاده لم يكن موفقاً؛ لأنه سيأتي بعد الانتخابات بينما يفترض أن يكون انعقاده قبلها. قد يكون ذلك مقصوداً، لا أدري؛ لأن الانتخابات في مثل هذه الظروف الهشة ستفتح من دون شك أبواباً من الشر، وحينئذ بدل أن تنصرف مهمة المؤتمر إلى إيجاد أرضية حقيقية للمصالحة والتوافق ستنشغل بحل ما يمكن حله من الأزمات التي ستفرزها نتائج الانتخابات في حين أن أبواب الشر هذه قد يكون من الممكن إغلاقها كلها أو بعضها لو أن الانتخابات جاءت بعد انعقاد المؤتمر لا سيما وأن فيه حلاً لمشكلة كبيرة تمثل عائقاً في طريق الانتخابات، وهو جدولة انسحاب قوات الاحتلال، وهو أمر اتفق عليه السياسيون في القاهرة، فإذا تمت المصادقة عليه في مؤتمر بغداد، والتزم به الأمريكيون فسيتيح ذلك مشاركة واسعة في الانتخابات، وبذلك نكون قد خطونا في الاتجاه الصحيح، ولا ننسى أن الانتخابات قد تفرز واقعاً جديداً لا يرى أصحابه أنهم معنيون بهذا المشروع، ما داموا قد أمسكوا بزمام الأمور لأربع سنوات، وهذا إن حصل سنكون قد عدنا إلى المربع الأول. أجرى الحوار: الشاعر والصحفي عبد الكريم الكيلاني 3/12/2005 م